Ahmed المدير العام
عدد الرسائل : 407 العمر : 36 تاريخ التسجيل : 22/10/2008
| موضوع: نحن شعب بغيض "2".. 2008-12-07, 5:49 pm | |
| د. نبيل فاروق
بادئ ذى بدء، وقبل أن نخوض في هذا الأمر الشائك، الذي اعتدنا أن ندفن رءوسنا في الرمال بشأنه طوال عقود، أريد أن أؤكد أنني مصري حتى النخاع... مصري من أصغر شعرة في رأسي، حتى قلامة إظفر أصغر إصبع في قدمي... مصري وواحد من شعب مصر، الذي نتحدث عنه... ذلك الشعب العظيم، الذي تحول، بفعل عوامل شتى، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، إلى شعب بغيض... شعب أناني... ذاتي... ناقم.. عدواني... قاسٍ...
ولأنني أحب مصر وشعبها، كما ينبغي أن يحبها كل منكم، ولأنني في الأصل طبيب، فقد تعلمت من واقع دراستي وخبراتي أن رفض الاعتراف بالمرض هو مرض في حد ذاته، وأن أنجح خطوات العلاج هي اعتراف المريض بمشكلاته، وبحثه عن حلول حقيقية لها، فقد اعتدت المواجهة، لا سياسة دفن الرءوس في الرمال...
ثم إن مفهومي للعظمة والكرامة ربما يختلف عن مفاهيم من يرفضون دوماً الاعتراف بنقاط الضعف والتقصير والفشل، فما زلت أرى أن العظمة -كل العظمة- في أن ندرك (حقيقة) أين نحن... أين كنا... وأين نضع أقدامنا... وإلى أين نمضي... لو لم نفعل نكون أكثر من يبغض هذا البلد وهذا الشعب، ويقودهما إلى دمار، لن تقوم للبلد ولا للشعب بعده قائمة... ومن يراجع كتاباتي منذ ربع قرن لن يشك لحظة واحدة في كل ما سبق. وفي أنني لا أسعى من خلف كتاباتي سوى للصالح... صالح الوطن... والمواطن... والشعب كله...
وهذا آخر ذِكْر لذلك في كل ما سيأتي؛ لأنني لن أنشغل عن الموضوع الأساسي بالدفاع عن مصريتي، وعشقى لتراب وطني، وللشعب الذي أنتمي إليه، والذي يتصور البعض أنه في سبيل نعرة كاذبة، ينبغي أن نتركه يفنى، بدلاً من أن نعترف بوجود خلل أو مرض فيه... حتى لو كان هذا المرض قاتلاً... مدمراً... مفنياً...
إنها ليست نعرة قومية، بل حماقة وخيانة وغدر للشعب، الذي يدّعي البعض الغيرة عليه والدفاع عنه... ثم فلننظر حولنا، ونشاهد ما آل إليه حالنا... ولنجِبْ على بعض الأسئلة، في أمانة تامة... هل تشعر فيمن حولك بالشهامة والكرم؟!... هل الأمانة سمة واضحة في هذا الشعب في هذا العصر؟!.. كم من الناس في رأيك تفكر في أخلاقية ما تفعله قبل أن تفعله؟!..
كم من أصدقائك نسي هاتفه المحمول في مكان ما ثم أعاده إليه أحد، أو عثر هو عليه بعدها؟!... كم ممن حولك يكذب ويغش خلال الأربع والعشرين ساعة؟!.. كم مرة استعار شخص ما شيئاً وأعاده؟!... لماذا تبيع صحف الفضائح نسخاً أكثر من الصحف العادية؟!... كم ممن تعرفه يمكنه أن يحفظ سراً، أو يتستر على فضيحة؟!.. كم مرة شعرت أن من حولك يراعون الآخرين في تصرفاتهم، أو اهتماماتهم، أو أثناء قيادتهم لسياراتهم؟!.. ترى هل اعتاد الجميع احترام النظام والقانون، والصبر في الطوابير، انتظاراً لدورهم؟!... هل تشعر بالراحة مع من حولك، وترغب في التعامل والتعايش معهم؟!...
وسؤال آخير، أكثر أهمية من كل ما سبق... هل ستجيب على كل الأسئلة السابقة بأمانة؟!... لو أنك فعلت فستعرف ما الذي أتحدث عنه بالضبط، وما أسعى إليه من هذه المقالات... أما لو لم تفعل، وأصررت على أن كل شيء على ما يرام، فأنت على الأرجح تعمل في وظيفة حكومية، أو تهوى العناد لإثبات وجودك وكيانك... فالواقع أننا -ولأسباب عديدة- لم نعُدْ شعباً يشبه ذلك الذي كان منذ نصف قرن...
فقديماً، وفي منتصف الخمسينيات وحتى بداية الستينات، كنا شعباً يختلف عما هو عليه الآن تمام الاختلاف... كان الناس أكثر بساطة، وأكثر قدرة على التعامل مع بعضهم البعض، وعلى مراعاة من حولهم... بل كانت الإساءة لمن حولك جريمة لا يغفرها لك الباقون... في تلك الفترة كانت الناس تتزاور كثيراً، وتتبادل التحية والهدايا طوال الوقت، وتتواصل مع بعضها البعض دون وسائل اتصالات سلكية أو لاسلكية أو تكنولوجية أو رقمية، لذا فقد كان الود متصلاً، ولهذا أهمية كبرى للغاية...
فعندما تلتقي بشخص ما وجها لوجه، وتدرك أن لقاءك به حتمي، فمن الصعب جداً أن تتعامل معه باستهتار، أو تؤذي مشاعره، أو تتصرف معه أو مع غيره بأنانية وذاتية ولا مبالاة، إلا كنت شخصاً شريراً بحق، أو كائناً بغيضاً بشدة؛ لأنك ستلتقي حتماً به مرة أخرى، ولن تكون لديك القدرة على مواجهته إلا لو كنت شديد الوقاحة...
أما في هذا الزمن، فالكل يتعامل عن بُعد، إما عن طريق الهاتف، أو الهاتف المحمول، أو الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، لذا فلم يعد أحد يراعي مشاعر من حوله، ومن السهل جداً أن ترى شخصاً يستمع إلى الموسيقى بصوت مرتفع للغاية في السادسة صباحاً، أو بعد منتصف الليل، غير مبالٍ بما إذا كان هذا سيزعج نائماً، أو مريضاً، أو طالب يستذكر دروسه، أو عامل ليلي، يحاول اختطاف قليل من النوم، في ساعات الصباح...
ألم يحدث هذا أبداً حيث تسكن؟! ألم تمر بمحل تجاري يدير الأجهزة الصوتية بصوت شديد الارتفاع أو حتى يقوم بتشغيل القرآن الكريم بصوت مرتفع للغاية، متصوراً أنه ما دام يستمع إلى القرآن الكريم الذي يحضه دوماً على مراعاة الآخرين، فله كل الحق في أن يوقظ النائم والمريض والعاجز يشتت انتباه الطالب والتلميذ، ويزعج طفلاً نائماً، بعد أن أجهد أمه طوال الليل، ولا يتصور قط أنه حتى لو كان يستمع إلى المصحف الشريف، فهو يرتكب ذنباً بإرهاق الآخرين ولا يحصل على ما ينشده من ثواب، فإنه حتى لو كان إماماً في صلاة، فلابد أن يخفف؛ لأن بين هؤلاء الناس مرضى وعجزة وذوي حاجة...
ولكن من يفكر، ومن يدرك أن هناك آخرين سواه في هذا العالم؟!...
ربما وجد البعض أن ما أطرحه هو نموذج تافه وبسيط لما وصل إليه هذا الشعب وهو أمر يتعلق بإزعاج بسيط فحسب، على الرغم من أن العصبية الشديدة التي أصبحنا عليها، والتوتر الذي تلحظه في كل من تتعامل معه، والغضب الذي يملأ نفس كل من تناقشه، ليس إلا دليلاً طبياً ونفسياً على حالة التوتر العصبي التي يعانيها، والتي تؤكد كل الأبحاث الطبية والنفسية أن الإزعاج هو السبب الرئيسي لها، وأن نتائجها تكون ضَعْف الإنتاج العام، ونقص الدخل القومي، وزيادة نسبة الحوادث وتفشي الجرائم الانفعالية في المجتمع، مثل ما تقرأه في الصحف عن شخص قتل آخر؛ لأنه سبه في الطريق، أو ضابط شرطة قتل طالباً؛ لخلافهما على ركن سيارة، أو الشجار على من يبدأ أولاً، أو... أو...
أسباب تافهة لجرائم عنيفة، لا تنم كلها إلا عن أن أعصابنا جميعاً صارت عند طرف أنوفنا، أو ربما نحن أنفسنا نجهل السبب.... أو نستهين به...
وهذه واحدة من مشكلاتنا التي باعدت كثيراً بيننا، وتسببت في أن نحمل في داخلنا الغضب المكبوت من بعضنا البعض... وهي أحد الأدلة على ما نتحدث عنه، ونحاول مواجهته بصراحة، في هذه السلسلة من المقالات... أننا قد تحولنا إلى شعب بغيض... شعب يرفض أن يعترف حتى بأنه كذلك... نحاول هنا أن نعترف بالمرض، حتى تكون هذه هي الخطوة الأولى للعلاج...
وهذا لمن يحبون مصر وشعب مصر... ولمن يرغبون في معالجة مرضها ومشكلاتها... ولمن لا يخشون الاعتراف بنقاط ضعفها، وعيوب شعبها.. فالمرء مرآة خليله... وشعبه... ووطنه... أما من يرفضون الاعتراف، فليمتنعوا عن قراءة المقالات القادمة؛ لأننا سنتعامل معها بأسلوب جراح محترف.... سنواجهها.. ونكشفها... وبكل وضوح وصراحة... المقالات إذن لعشاق مصر وشعبها فقط... والباقون يمتنعون.
المصدر: بص وطل | |
|