هند صبري طفلة في ثياب امرأة، في صورة فنانة، تحولت من فتاة عادية إلى نجمة، أحلامها تسابق العصافير، أقوى ما فيها ضعفها، وأضعف ما فيها حنانها.
رقتها جزء من شخصيتها، وعفويتها كلمة السر في تعاملاتها، إيقاعها هاديء ورغم ذلك تلهث وراء طموحها وتمارس بمنتهى العقل جنونها الفني ولم لا واحدة من أشطر طلاب مدرسة التلقائية في الأداء.
إن هند عندما تتكلم تبدو وكأنها فنانة تشكيلية ترسم بالحروف ما يدور في مشاعرها، وتلون بالكلمات ما يسكن في عقلها وتعالوا نسمع "سُكرة".
هند صبري منذ أول أفلامها تملك رحلة في عالم الفن مميزة جداً أكدت خلالها أنها نجمة لا تعرف الهدوء تعشق التغيير تخفي ذهناً يعمل بلا كلل ورأساً عنيداً قادراً على مطاردة الأدوار المركبة والمخاطرة عبر تقديم الجديد، الصعب، ورفض السائد لأنها تعترف أن أكثر شيء يخيفها هو الملل القادر على قتل أي حب ولذلك تحاول مع كل فيلم جديد أن تطل على جمهورها بوجه مختلف لتطمئن أنه لن يملها ولن يموت حبه لها.
والمفاجأة هذا العام هو أن هند صبري أرادت أن تحطم قيود الإحتكار السينمائي لها وتدلف عبر بوابات الدراما التليفزيونية فخاضت ماراثون السباق الرمضاني من خلال مسلسل "بعد الفراق" وجسدت فيه شخصية الخادمة "سكرة" وتعترف هند لنا بأن شخصية الخادمة "سكرة" بطلة المسلسل ربما تكون من أصعب الشخصيات التي جسدتها في مشوارها الفني على الإطلاق .
وتري بانها أكثر شخصية تعبت في تقديمها لأنها بلا أدنى مبالغة شخصية نفسية، مثيرة، معقدة، مركبة، ومشحونة بالعواطف والمشاعر والإنفعالات الإنسانية المتباينة، تعتمد على التلقائية والبساطة أحياناً والإزدواجية أحياناً أخرى.
قلت لها: كيف ترى هند صبري نفسها بعد إطلالتها التليفزيونية الأولى؟
وتجيب: لاشك أن قراري بشأن خوض غمار تجربة العمل في المسلسلات التليفزيونية لم يكن أمراً سهلاً على الإطلاق لاسيما بعد عدة سنوات من التردد والقلق والخوف في هذا الصدد فقد تلقيت بالفعل على مدار الأعوام الماضية عدد كبير من الأدوار التليفزيونية فاعتذرت عنها، فلم أجد فيها ما أبحث عنه والشيء الذي يثير حماسي ويشجعني على الإقدام على تلك الخطوة وكل ما أستطيع قوله في هذا الشأن أن تجربة مسلسل "بعد الفراق" كانت بمثابة مشروع مؤجل فقد بدأت منذ أكثر من عامين من خلال اتفاق تم بيني وبين شركة الباتروس للإنتاج الفني على بطولة مسلسل تليفزيوني كان شرطي الوحيد خلالها هو توافر مقومات النص الجيد كي أحقق المعادلة الصعبة في مغادرة بيتي السينما إلى الظهور على شاشة الدراما التليفزيونية.
لقد كنت أبحث عن شيء مختلف لإيماني بأن التليفزيون محطة مهمة لكنها خطيرة فهو جهاز موجود في كل بيت، وتخاطب من خلاله كل الفئات العمرية والطبقات الإجتماعية والشرائح الثقافية لذلك عندما أقدم لهذا الجمهور عملاً درامياً لابد أن يصدقني ومن ثم كنت أريد أن أضع يدي علي شيء حقيقي واقعي، فأنا أحب التمثيل ولكنني أحب أكثر أن أقدم به شيئا جديداً ومثيراً وحقيقياً، عاوزة تمثيل بجد.
وهل استطاع سيناريو "بعد الفراق" تحقيق طموحات وأحلام هند صبري؟
بمجرد أن قرأت السيناريو الذي كتبه محمد أشرف بحسه الإنساني وأسلوبه السلس الجذاب شعرت أن مغناطيساً يجذبني إلى هذه الشخصية ويدفعني دفعاً نحو الدخول إلى تفاصيل عالمها المثير المليء بالمتناقضات والطموحات كما أن جلسات الترابيزة التي جمعتني مع المخرجة شيرين عادل وباقي طاقم العمل قد أسفرت عن إقتناع كامل من جانبي بالحدوتة ككل حتى تم الإستقرار على شكل المسلسل النهائي كما أجرينا عدداً من البروفات المبدئية لتحديد تحولات الشخصية في مراحلها المختلفة.
وقد كان أكثر أسباب حماستي أيضاً وراء إبداء الموافقة على المشاركة في هذا المسلسل هو وجود الفنان خالد صالح الذي اعتبره صاحب رؤية سينمائية واعية ومدرسة فنية شاملة من ناحية طبيعة الأدوار المتنوعة وتطوير طريقة أداءه من عمل إلى آخر كما تجمعني مع صديقي خالد صالح كيمياء شديدة الخصوصية بعد فيلمي "أحلى الأوقات" و"عمارة يعقوبيان" وأتمنى أن نشكل سوياً دويتو درامياً ناجحاً.
وبصفة عامة أعتبر أن المشاركة في عمل تليفزيوني ضخم إنتاجياً وفنياً على هذا النحو ضرباً من المغامرة لكنني لم أجد بديلاً أمام كل تلك المغريات سوى إبداء الموافقة على المشاركة في أول تجربة لي أمام كاميرات الفيديو.
كيف كان استعدادك لتجسيد شخصية الخادمة؟
ليست هي المرة الأولى التي أجسد من خلالها دور خادمة فقد سبق لي تجسيد نفس الشخصية من خلال فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" للمخرج داود عبد السيد مع اختلاف التطلعات والطموحات وكذلك الأبعاد الإجتماعية وتباين نظرة كلا منهما في مواجهة مصاعب الحياة، ومع هذا المسلسل تحديداً كنت أطمح إلى تقديم شخصية حقيقية من دم ولحم كي يتفاعل معها الناس على اعتبار أنها تعيش بينهم في الواقع بالفعل، ومن ثم فقد تطلب الأمر النزول إلى الشارع، وذهبت إلى شركات تشغيل الخادمات أو مكاتب "التخديم" مثلما يطلق عليها وتعرفت من خلالها على نماذج وشخصيات متعددة من الفتيات من كافة الأنماط الإجتماعية والتعليمية ومن ثم استطعت الوقوف على الكثير من التفصيلات والجوانب المتعلقة بالشخصية والإمساك بخيوطها.
هل كون مخرجة العمل سيدة ساهم أكثر في تفجير طاقاتك الفنية؟
أنا أفضل العمل مع أي مخرج طالما يستطيع من أعمل معه أن يفجر طاقاتي وأن يساعدني على الظهور بشكل مختلف جديد ومثير في كل مرة، وهناك أشخاص أتعامل معهم وأنا واثقة جداً من الصورة التي سوف أظهر بها وأترك أدائي لهم دون أن أتدخل بل أنفذ كل التوجيهات داخل العمل ودون تفكير، وشيرين عادل واحدة من هؤلاء فهي مخرجة متميزة وذكية جداً تهتم بكل التفاصيل وتملك أدواتها الفنية في العملية الإخراجية كأجمل ما تكون، وقد كنت حريصة على التناقش معها في كل كبيرة وصغيرة في العمل حتى يخرج بصورة جيدة ترضي كل الأطراف، ولا شك أن المخرجة تساعد الفنانة على إبراز بعض اللمحات الإستثنائية المرتبطة بالنواحي النسائية، وهذا له تأثير ايجابي على العمل، لكن هذا لا يمنع أنني أحياناً أتعامل مع مخرجين رجال يستطيعون التعبير من خلال كاميراتهم وإرشاداتهم عن أدق المشاعر الأنثوية.
ترددت بعض الأقاويل أثناء تصوير المسلسل عن نشوب خلافات بينك وبين مؤلف العمل محمد أشرف من جهة والفنان خالد صالح من جهة أخرى بشأن زيادة مساحة دورك .. ماتعليقك؟
وبحسم ترد: هذا كلام فارغ وعار تماماً من الصحة، لا أحد يمكنه أن يمثل لوحده ولا أن ينجح بمفرده مهما كانت عبقريته إذ أن نجاح العمل الفني يعتمد على جهد جماعي ولو فكر الفنان في نفسه فقط لكان ذلك بداية الفشل، وأنا لا أحسبها على هذا النحو حيث أقيس الدور بمساحة تأثيره وليس حجمه بدليل أنني قدمت أدواراً كثيرة لم تكن ذات مساحة كبيرة مثل فيلمي "أحلى الأوقات" و"الجزيرة"، وكل ما يتردد عن خلافات بيني وبين محمد أشرف أو خالد صالح هو محض شائعات سخيفة وكلام خاطيء لا يستند إلى أية حقائق سعى إلى تشويه صورة المسلسل .
يبدو أن كواليس المسلسل كانت حافلة بالشائعات لكن من نوع آخر كان آخرها شائعة حملك؟
ربما تردد هذا الكلام جراء إغماءة تعرضت لها في الإستديو من شدة الإرهاق والإجهاد والتعب بسبب تكثيف التصوير الذي كان يصل أحياناً إلى 16 ساعة يومياً حتى يتم اللحاق بالموعد المحدد للعرض، وأنا أتمنى أن أصبح أماً في أقرب وقت لكن كل شيء قسمة ونصيب.
بعد أن صارت هند صبري اسماً سينمائياً لامعاً .. ألا تخشين أن يؤثر تواجدك التليفزيوني على جاذبيتك السينمائية؟
لا أؤمن بمقولة أن التليفزيون يحرق نجومية الفنان في السينما بدليل أن كل نجوم السينما حتى الشباب يشاركون في أعمال التليفزيون ولم تتأثر جاذبيتهم أو تطال من شعبيتهم على المستوى السينمائي بل في المقابل فإن الإستعانة بنجوم السينما في التليفزيون تضفي مصداقية عالية على العمل الدرامي.
ولا أذيع سراً إذا قلت أن قراري بشأن البطولة التليفزيونية في هذا التوقيت بالذات بعد سنوات من التركيز على السينما جاء بعد أن صنعت لنفسي قاعدة جماهيرية لا بأس بها واسماً سينمائياً جيداً بما يتيح لي الإستناد إلى أرضية صلبة تجعلني أكثر إقبالاً على هذه التجربة كي أشعر من خلالها بالإضافة والتجديد عبر عمل تتوافر له كل عناصر النجاح من أبطال وورق جيد وإنتاج متميز.
وعموماً ممثل التليفزيون هو ممثل السينما، ومن ثم فإن الدراما التليفزيونية الجيدة تزيد من رصيد الفنان عند الجمهور، وفى النهاية هو ممثل وفنان خصوصاً أنني أشعر أن جمهور البيوت وهو بعشرات الملايين له حق على الفنان، فإذا لم يكن هذا المتفرج يذهب إلى السينما أو المسرح، فإن على الفنان أن يذهب هو إلى المتفرج في بيته، ولا يتم هذا إلا من خلال التليفزيون.
اللافت أن عدد كبير من نجوم ونجمات السينما قد اتجهوا هذا العام إلى خوض تجربة الدراما التليفزيونية .. ما تعليقك على المنافسة التي حدثت بينكم؟
أنا لم أخوض تجربة الدراما التليفزيونية كي أكون خصماً أو نداً أو أدخل في منافسة مع زميل أو زميلة أياً كان بل على العكس تماماً أنا أرى نفسي ضيفة على جمهور الشاشة الصغيرة أتمنى ألا تكون ثقيلة حتى أعود إلى بيتي الأصلي وهو السينما، ولكن هذا لا يمنع في حال نجاح التجربة من تكرارها مرة أخرى على نحو لا يشكل تعطيلاً لخطواتي المستقبلية في السينما، فلا أنكر أن السينما هي عشقي الأول وقد نجح التليفزيون إلى حد ما في أن يختطفني منها هذا الموسم لأن طبيعة العمل الدرامي في التليفزيون تتطلب التفرغ التام وتركيز كامل للتعايش مع الشخصية وهو ما يستتبعه إرهاق ومجهود كبيرين.
وهل يمكن أن تكررين تجربة تقديم البرامج بعد برنامج "الشقة" العام الماضي؟
برنامج "الشقة" الذي تم عرضه في شهر رمضان الماضي كان تجربة ممتعة ولا مانع من تكرار التجربة بشرط تقديم فكرة مبتكرة لكني لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث على الأقل في الوقت الحالي.
يبدو لي أن هند أصبحت أكثر قدرية في الحياة عموماً؟
لا أهوى حساب حياتي بالورقة والقلم بل أترك إحساسي يقودني في صحبة العقل وإيمان القلب، فهكذا تعلمت من والدي الذي أعتبره مثلي الأعلى.